فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قال الزجاج: {ذلكم} رفع لكونه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: الأمر ذلكم فذوقوه، ولا يجوز أن يكون {ذلكم} ابتداء، وقوله: {فَذُوقُوهُ} خبر، لأن ما بعد الفاء لا يكون خبرًا للمبتدأ، إلا أن يكون المبتدأ اسمًا موصولًا أو نكرة موصوفة، نحو: الذي يأتيني فله درهم، وكل رجل في الدار فمكرم.
أما أن يقال: زيد فمنطلق، فلا يجوز إلا أن نجعل زيدًا خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: هذا زيد فمنطلق، أي فهو منطلق.
المسألة الثانية:
أنه تعالى لما بين أن من يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب، بين من بعد ذلك صفة عقابه، وأنه قد يكون معجلًا في الدنيا، وقد يكون مؤجلًا في الآخرة، ونبه بقوله: {ذلكم فَذُوقُوهُ} وهو المعجل من القتل والأسر على أن ذلك يسير بالإضافة إلى المؤجل لهم في الآخرة، فلذلك سماه ذوقًا، لأن الذوق لا يكون إلا تعرف طعم اليسير ليعرف به حال الكثير، فعاجل ما حصل لهم من الآلام في الدنيا كالذوق القليل بالنسبة إلى الأمر العظيم المعد لهم في الآخرة، وقوله: {فَذُوقُوهُ} يدل على أن الذوق يحصل بطريق آخر سوى إدراك الطعوم المخصوصة، وهي كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49] وكان عليه السلام يقول: «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» فهذا يدل على إثبات الذوق والأكل والشرب بطريق روحاني مغاير للطريق الجسماني. اهـ.

.قال السمرقندي:

{ذلكم}، يعني ذلكم القتل يوم بدر، {فَذُوقُوهُ} في الدنيا، {وَأَنَّ للكافرين عَذَابَ النار} يوم القيامة مع القتل في الدنيا يعني أن القتل والضرب لم يصر كفارة لهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ} عاجلا {وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ} في المعاد {عَذَابَ النار} وفي فتح (أن) وجهان من الإعراب أحدهما الرفع والأخر النصب:
فأمّا الرفع فعلى تقدير ذلكم تقديره: ذلكم يذوقوه، وذلك أن للكافرين عذاب النار.
وأمّا النصب فعلى وجهين: أحدهما: بمعنى فعل مضمر: ذلكم فذوقوه وأعلموا وأيقنوا أن للكافرين.
والأخر بمعنى: وما للكافرين فلما حذف الياء نصب. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ذلكم فذوقوه}
المخاطبة للكفار، أي ذلك الضرب والقتل وما وأوقع الله بهم يوم بدر، فكأنه قال الأمر ذلك فذوقوه وكذا فسره سيبويه، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون {ذلكم} في موضع نصب كقوله زيدًا فاضربه، وقرأ جمهور الناس وأن بفتح الألف، فإما على تقدير وحتم أن. فيقدر على ابتداء محذوف يكون أن خبره، وإما على تقدير واعلموا أن، فهي على هذا في موضع نصب، وروى سليمان عن الحسن بن أبي الحسن وإن على القطع والاستئناف. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النار}
جمع بين العذابين عذاب الدنيا وهو المعجّل وعذاب الآخرة وهو المؤجّل والإشارة بذلكم إلى ما حلّ بهم من عذاب الدنيا والخطاب للمشاقّين ولما كان عذاب الدنيا بالنسبة إلى عذاب الآخرة يسيرًا سمى ما أصابهم منه ذوقًا لأنّ الذّوق يعرف به الطعم وهو يسير ليعرف به حال الطعم الكثير كما قال تعالى: {ثم إنكم أيها الضّالُّون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون} فما حصل لهم من العذاب في الدنيا كالذوق القليل بالنسبة إلى ما أعدّ لهم في الآخرة من العذاب العظيم وذلكم مرفوع إما على ابتداء والخبر محذوف أي ذلكم العقاب أو على الخبر والمبتدأ محذوف أي العقاب ذلكم وهما تقديران للزمخشري.
وقال ابن عطية: أي ذلكم الضّرب والقتل وما أوقع الله بهم يوم بدر فكأنه قال الأمر {ذلكم} {ذوقوه} انتهى.
وهذا تقدير الزجاج.
وقال الزمخشري ويجوز أن يكون نصبًا على عليكم {ذلكم فذوقوه} كقولك زيدًا فاضربه انتهى، ولا يجوز هذا التقدير لأنّ عليكم من أسماء الأفعال وأسماء الأفعال لا تضمر وتشبيهه له بقولك زيدًا فاضربه ليس بجيد لأنهم لم يقدروه بعليك زيدًا فاضربه وإنما هذا منصوب على الاشتغال وقد أجاز بعضهم في ذلك أن يكون منصوبًا على الاشتغال وقال بعضهم لا يجوز أن يكون ذلكم مبتدأ أو فذوقوه خبرًا لأنّ ما بعد الفاء لا يكون خبرًا لمبتدأ إلا أن يكون المبتدأ اسمًا موصولًا أو نكرة موصوفة نحو الذي يأتيني فله درهم وكل رجل في الدار فمكرم انتهى، وهذا الذي قاله صحيح ومسألة الاشتغال تنبني على صحة جواز أن يكون {ذلكم} يصحّ فيه الابتداء إلا أن قولهم زيدًا فاضربه وزيد فاضربه ليست الفاء هنا كالفاء في الذي يأتيني فله درهم لأن هذه الفاء دخلت لتضمن المبتدأ معنى اسم الشرط ولذلك شروط ذكرت في النحو والفاء في زيد فاضربه هي جواب لأمر مقدّر ومؤخرة من تقديم والتقدير تنبه فزيدًا ضربه وقالت العرب زيدًا فاضربه وقدره النحاة تنبه فاضرب زيدًا وابتنى الاشتغال في زيدًا فاضربه على هذا التقدير فقد بان الفرق بين الفاءين ولولا هذا التقدير لم يجز زيدًا فاضرب بل كان يكون التركيب زيدًا اضرب كما هو إذا لم يقدر هناك أمر بالتنبيه محذوف.
وقرأ الجمهور {وأن} بفتح الهمزة.
قال الزمخشري عطف على {ذلكم} في وجهيه أو نصب على أن الواو بمعنى مع ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة فوضع الظاهر موضع الضمير أي مكان وأنّ لكم {وأنّ للكافرين}.
وقال ابن عطية إما على تقدير وحتم {أن} فتقدير ابتداء محذوف يكون خبره.
وقال سيبويه التقدير الأمر {ذلكم} وأما على تقدير واعلموا أن فهي في موضع نصب انتهى.
وقرأ الحسن وزيد بن علي وسليمان التيمي وإن بكسر الهمزة على استئناف الأخبار. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله تعالى: {ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ للكافرين عَذَابَ النار}.
فإنه مع كونه هو المسوقَ للوعيد بما ذُكر ناطقٌ بكون المرادِ بالعقاب المذكورِ ما أصابهم عاجلًا سواءٌ جُعل ذلكم إشارةً إلى نفس العقابِ أو إلى ما تفيده الشرطيةُ من ثبوت العقابِ لهم، أما على الأول فلأن الأظهرَ أن محلَّه النصبُ بمضمر يستدعيه قوله تعالى: {فَذُوقُوهُ}، والواو في قوله تعالى: {وَأَنَّ للكافرين} إلخ بمعنى مع فالمعنى باشروا ذلكم العقابَ الذي أصابكم فذوقوه عاجلًا مع أن لكم عذابَ النارِ آجلًا، فوضْعُ الظاهر موضعَ الضميرِ لتوبيخهم بالكفر وتعليلِ الحُكم به، وأما على الثاني فلأن الأقربَ أن محله الرفعُ على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ، وقوله تعالى: {وَأَنَّ للكافرين} إلخ معطوفٌ عليه، والمعنى حُكمُ الله ذلكم، أي ثبوتُ هذا العقابِ لكم عاجلًا وثبوتُ عذابِ النارِ آجلًا، وقوله تعالى: {فَذُوقُوهُ} اعتراضٌ وُسِّط بين المعطوفَيْن للتهديد، والضميرُ على الأول لنفس المشارِ إليه وعلى الثاني لما في ضمنه، وقد ذُكر في إعراب الآيةِ الكريمةِ وجوهٌ أُخَرُ، ومدارُ الكلِّ على أن المرادَ بالعقاب ما أصابهم عاجلًا والله تعالى أعلم، وقرئ بكسر إن على الاستئناف. اهـ.

.قال الألوسي:

{ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ للكافرين عَذَابَ النار}
فإنه مع كونه هو المسوق للوعيد بما ذكر ناطق بكون المراد بالعقاب المذكور ما أصابهم عاجلًا سواء جعل {ذلكم} إشارة إلى نفس العقاب أو إلى ما تفيده الشرطية من ثبوته لهم، أما على الأول: فلأن الأظهر أن محلة النصب بمضمر يستدعيه {فَذُوقُوهُ} والواو في {وَأَنَّ للكافرين} إلخ بمعنى مع، فالمعنى باشروا ذلكم العقاب الذي أصابكم فذوقوه عاجلًا مع أن لكم عذاب النار آجلًا، فوقع الظاهر موضع الضمير لتوبيخهم بالكفر وتعليل الحكم به، وأما على الثاني: فلأن الأقرب أن محله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقوله سبحانه وتعالى: و{إن} إلخ معطوف عليه، والمعنى حكم الله تعالى ذلكم أي ثبوت هذا العقاب لكم عاجلًا وثبوت عذاب النار آجلًا، وقوله تعالى: {فَذُوقُوهُ} اعتراض وسط بين المعطوفين للتهديد، والضمير على الأول لنفس المشار إليه وعلى الثاني لما في ضمنه. اهـ.
واعترض على الاحتمال الأول بأن الكلام عليه من باب الاشتغال وهو إنما يصح لو جوز ناصحة الابتداء في {ذلكم} وظاهر أنه لا يجوز لأن مابعد الفاء لا يكون خبرًا إلا إذا كان المبتدأ موصولًا أو نكرة موصوفة.
ورد بأنه ليس متفقًا عليه فإن الأخفش جوزه مطلقًا، وتقديره باشروا مما استحسنه أبو البقاء وغيره قالوا: لتكون الفاء عاطفة لا زائدة أو جزائية كما في نحو زيدًا فاضربه على كلام فيه، وبعضهم يقدر عليكم اسم فعل.
واعترضه أبو حيان بأن أسماء الأفعال لا تضمر.
واعتذر عن ذلك الحلبي بأن من قدر لعله نحا نحو الكوفيين فإنهم يجرون اسم الفعل مجرى الفعل مطلقًا ولذلك يعملونه متأخرًا نحو: {كتاب الله عَلَيْكُمْ} [النساء: 24]، وما أشار إليه كلامه من أن قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ للكافرين} إلخ منصوب على أنه مفعول معه على التقدير الأول لا يخلو عن شيء، فإن في نصب المصدر المؤول على أنه مفعول معه نظرًا.
ومن هنا اختار بضعهم العطف على ذلكم كما في التقدير الثاني، وآخرون اختاروا عطفه على قوله تعالى: {إِنّى مَعَكُمْ} [الأنفال: 12] داخل معه تحت الإيحاء أو على المصدر في قوله سبحانه وتعالى: {بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 13] ولايخفى أن العطف على {ذلكم} يستدعي أن يكون المعنى باشروا أو عليكم أو ذوقوا أن للكافرين عذاب النار وهو ما يأباه الذوق، ولذا قال العلامة الثاني: إنه لا معنى له، والعطفان الآخران لا أدري أبهما أمر من الآخر، ولذلك ذهب بعض المحققين إلى اختيار كون المصدر خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، وقيل: هو منصوب باعلموا ولعل أهون الوجوه في الآية الوجه الأخير.
والانصاف أنها ظاهرة في كون المراد بالعقاب ما أصابهم عاجلًا، والخطاب فيها مع الكفرة على طريق الالتفات من الغيبة في {شَاقُّواْ} إليه، ولا يشترط في الخطاب المعتبر في الالتفات أن يكون بالاسم كما هو المشهور بل يكون بنحو ذلك أيضًا بشرط أن يكون خطابًا لمن وقع الغائب عبارة عنه كذا قيل وفيه كلام، وقرأ الحسن {وَأَنَّ للكافرين} بالكسر، وعليه فالجملة تذييلية واللام للجنس والواو للاستئناف. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}
الخطاب في {ذلكم فذوقوه} للمشركين الذين قُتلوا، والذين قطعت بنانهم أي يقال لهم هذا الكلام حيث تُضرب أعناقهم وبنانهم بأن يُلْقى في نفوسهم حينما يصابون إن أصابتهم كانت لمشاقتهم الله ورسوله، فإنهم كانوا يسمعون توعد الله إياهم بالعذاب والبطش كقوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} [الدخان: 16] وقوله: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصُدون عن المسجد الحرام} [الأنفال: 34] ونحو ذلك وكانوا لا يخلُون من اختلاج الشك نفوسهم، فإذا رأوا القتل الذي لم يألفوه، ورأى الواحد منهم نفسه مضروبًا بالسيف، ضربًا لا يستطيع له دفاعًا، علم أن وعيد الله تحقق فيه، فجاش في نفسه أن ذلك لمشاقته الله ورسوله، ولعلهم كانوا يرون إصابات تصيبهم من غير مَرْئي، فجملة: {ذلكم فذوقوه} مقول قول محذوف تقديره: قائلين، هو حالَ من ضمير {فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال: 12].
واسم الإشارة راجع إلى الضرب المأخوذ من قوله: {فاضربوا فوق الأعناق وأضربوا منهم كل بنان} [الأنفال: 12] وهو مبتدأ وخبره محذوف، فإما أن يقدر ذلك هو العقاب الموعود، وإما أن يكون مما دل عليْه قوله: {بأنهم شاقوا الله ورسوله} [الأنفال: 13] فالتقدير ذلك بأنكم شاققتم الله ورسوله.
وتفريع {فذوقوه} على جملة: {ذلكم} بما قدر فيها تفريع للشّماتة على تحقيق الوعيد، فصيغة الأمر مستعملة في الشماتة والإهانة، وموقع {فذوقوه} اعتراض بين الجملة والمعطوف في قوله: {وأن للكافرين}، والاعتراضُ يكون بالفاء كما في قول النابغة:
ضِباببِ بني الطّوَالة فاعلميه ** ولا يَغْرُرْك نأيي واغترابي

قالواوفي قوله: {وأن للكافرين عذاب النار} للعطف على المقول فهو من جملة القول، والتعريفُ في {الكافرين} للاستغراق وهو تذييل.
والمعنى: ذلكم، أي ضرب الأعناق، عقاب الدنيا، وأن لكم عذاب النار في الآخرة مع جميع الكافرين، والذوق مجاز في الإحساس والعلاقةُ الإطلاق.
وقوله: {وأن للكافرين عذاب النار} عطف على الخبر المحذوف أي ذلكم العذاب وأن عذاب النارِ لجميع الكافرين. اهـ.